Rule of law Tunisia
Share

المحكمة الإدارية التونسية تخطو مرحلة جديدة نحو الرقمنة والنجاعة

"إنّه أمر كنّا نحلم به في 2019 ورأيناه يتحقّق في 2022" ردّت فردوس بن ساسي تاج، مديرة برنامج "جاداي" بالمنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية عندما سألناها عن أهميّة الانتهاء من المخطط الاستراتيجي العملي ومخطّط الاتّصال العملي وتبنّيهما من قبل قضاة المحكمة الإدارية. 

فلأوّل مرّة منذ تاريخ نشأتها الذي يتجاوز نصف قرن، أعدّت المحكمة الإدارية التونسية مخطّطا استراتيجيا وعمليّا يمتدّ على سنوات 2021-2025، جمعت فيه رؤيتها لمجمل مهامها وتطلّعاتها في قادم السنوات حتّى يصبح "القضاء الإداري سلطة مستقلّة، حديثة ومنفتحة على محيطها، تضمن مقوّمات المحاكمة العادلة وتحمي الحقوق والحريّات" 

قدّم المخطّط الاستراتيجي جملة من الوسائل التّي من شأنها التسريع في الزمن القضائي، وفي حوكمة نظام التقاضي، وتوفير مؤشّرات الآداء، إضافة إلى أهداف أخرى، سعت المحكمة والمنظمة إلى التركيز عليها ضمن برنامج "جاداي" الذي انطلق سنة 2019. 

مسار تعاون تصفه بن ساسي تاج بالبناء القائم على تحديث القضاء الإداري، فعموده الفقري هو المخطط الاستراتيجي، وأعمدته الصلبة هي الرقمنة وحوكمة القضاء الإداري والإطار القانوني المناسب وتكوين أعضاء المحكمة. 

 ووفقا للرئيس الأول للمحكمة الإدارية، السيد عبد السلام مهدي قريصيعة تكمن "أهميّة المخطّط الاستراتيجي أوّلا في توفير وتقدير الحاجيات المادية والبشرية للمحكمة في السنوات الخمس القادمة من أجل تحقيق غاية أساسية وهي البتّ في القضايا المنشورة أمام المحكمة في آجال معقولة وهو الهدف الذي تسعى إليه المحكمة الإدارية وتبذل من أجله مجهودا كبيرا".  

المخطط الاستراتيجي للمحكمة الإدارية 2021- 2025  

يعتبر الزمن القضائي من أهمّ التحديات التي لطالما زامنت عمل قضاة المحكمة الإدارية، ويبدو بحسب رفيع عاشور، مسؤول خلية المتابعة بالمحكمة، الدافع ل"جعل التخطيط الاستراتيجي يرتكز على نجاعة القضاء والتي تتضمّن جانبين، يتمثّل الأول في اصدار الحكم في زمن يوصف بالمعقول، بينما يتعلّق الثاني بالتواصل...". 

الرقمنة من أجل قضاء إداري فعّال 

تمثّل العمل المشترك بين المحكمة والمنظمة، في هذا الصدد، في إعداد أربع وثائق استراتيجية وهي المخطط الاستراتيجي ومخططه العملي واستراتيجية التواصل ومخططها العملي، وتلاها تحديث موقع الواب بشكله العصري الجديد وخاصة قسم بوابة الخدمات الذي يتيح لأي مواطن تقديم عريضة عن طريق الأنترنت ومتابعة القضايا عن بعد وطلب الحصول على إعانة قضائية والحصول على نسخة مجرّدة إلى جانب توفير فقه قضاء المحكمة عبر الاطلاع على أكثر من 10 ألف حكم على الموقع. هذا وشملت الرقمنة أيضا جانب التكوين الذي يتيح للمحكمة من الآن تكوين قضاتها وكتبها عن بعد عبر منصة e-learning التي تتضمّن دروسا اعدّتها المنظمة إلى جانب بعض الشركاء الفنييّن.  

صورة لبوابة الخدمات المتوفرة على موقع المحكمة الإدارية

 من التخطيط إلى الإنجاز: نحو تبني ثقافة التخطيط الاستراتيجي   

لم يقتصر العمل على إعداد الوثائق، بل باتت ترجمة أفكارها عبر العمل اليومي للمحكمة، إحدى التحديات القادمة. فقد انطلق منذ شهر أكتوبر 2022 تقديم المخطط للقضاة  وذلك خلال دورة تكوينية نظمّتها المحكمة والمنظمة، شاركت فيها مختلف الدوائر المركزية والجهوية. 

يعتبر حسام الدين التريكي رئيس الدائرة الابتدائية بقابس أنّه "على مستوى الدائرة الابتدائية ستساعد الاستراتيجية في التسريع في البتّ في القضايا والتسريع في تحرير الاحكام مع إعطاء رئيس الدائرة المؤشرات الضرورية مع القضاة المشغلين معه لمتابعة هذه المسائل"، إلاّ أنّ غياب الإمكانيات والوسائل اللوجستية قد تعطّل تحقيق الأهداف التي تضبطها الاستراتيجية، بحسب التريكي.   

دورة تكوينية بالحمامات لتقديم المخطط الاستراتيجي والعملي - أكتوبر 2022

ومثّل شهر نوفمبر 2022 لعدد من أعضاء المحكمة فرصة لتبادل الخبرات والتجارب المقارنة والتي تمثّلت في زيارة عمل أدّاها وفد من القضاة إلى مجلس الدولة الفرنسي بباريس حيث تمّ الاطلاع على التجربة الفرنسية فيما يتعلّق بتحديث وسائل عمل المحكمة وخاصة على مستوى الرقمنة والسعي إلى الحدّ من مخزون القضايا والوسائل التي تعزّز العمل الاتصالي للمحكمة وتقريب فقه قضائها من المواطن.  

صورة جماعية لأعضاء من المحكمة الإدارية وممثّلي المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية في مقر مجلس الدولة الفرنسي بباريس - 8 نوفمبر 2022

هذا العمل مدعوم من قبل